تصوَّر لو كنت تعيش في مكانٍ وزمانٍ تُجبَر فيهما على الفرار من ديارك. لقد فقدت بيتك ومقتنياتك، وربما بعض أحبَّتك أيضاً. ذلك هو الواقع المأساوي لمئة مليون إنسان في مختلف أرجاء العالم
بالنسبة إلى أناسٍ كثيرين فقدوا جميع ممتلكاتهم المادية، فإن كلُّ ما تبقَّى لهم هو عقيدتهم. وبالنسبة إلى كثيرين ممَّن يعيشون كنازحين، تمثِّل العقيدة وسيلةً هامةً لمساعدتهم في التعافي من حالة الصدمة. والآن بعد أحد عشر عاماً من الحرب، هنالك 13 مليون إنسان نازح يعيشون في سوريا. على مرِّ التاريخ، لطالما كانت سوريا لوحة فسيفساء تضمُّ مجموعاتٍ متنوعة ومتعايشة بسلام، شكَّلت في نهاية المطاف دولة سوريا الحديثة. واليوم ينتمي غالبية السوريين إلى أحد مذاهب الإسلام السُّنة، لكن البلاد ما زالت موطناً لطيفٍ واسعٍ من الأعراق والانتماءات الدينية
وفي وضعٍ يعيش فيه الكثيرون في سوريا كنازحين، ثمة مأوى يوفِّر لهم المكان المناسب لممارسة طقوسهم الدينية والحفاظ على ممارسة عباداتهم. للإسلام خمسة أركان، وهي تمثِّل المعتقدات والمبادئ الجوهرية التي تسترشد بها المجتمعات المسلمة في كل بقاع الأرض: إشهار الإسلام (الشَّهادتان)، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجُّ البيت (مَن استطاع إليه سبيلاً)
وتمثِّل الصلاة لدى الكثير من المسلمين جانباً فاعلاً ودائماً من حياتهم اليومية، أياً كان المكان المتاح لأدائها، غير أن توفُّر مأوى آمن ويحفظ الكرامة يساعدُ بالتأكيد في أن يحظوا بتجربة صلاةٍ أكثر طهارةً وطمأنينةً وخشوعاً. وبالنسبة إلى سماح السلوم، فإن وجود مأوىً مثل وحدات المسكن الإغاثي (RHU) يتيح لها أداء صلواتها اليومية بيسرٍ وسهولة. وكانت سماح قد نزحت من ريف “سراقب” الشرقي، وهي تعيش اليوم في خيمة بانتظار الانتقال إلى وحدة مسكن إغاثي خاصةٍ بها في مخيم مرام بإدلب، التي تقع شمال غرب سوريا
العقيدة مهمةٌ بالنسبة لي، لأننا نحن المسلمين نشأنا على الإيمان والفطرة، وحسب دين سيِّدنا ونبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن نكون مؤمنين لكي ندخل الجنة في الآخرة
ى سماح السلوم،
ما زالت سماح تحاول التعافي من صدمة النزوح، وهي تقول إنَّ العيش في مخيم مرام يمنحها كامرأةٍ إحساساً بالأمان ويوفر لها البيئة النظيفة التي تحتاجها بالمقارنة مع الخيام القماشية؛ بينما تتميز وحدة المسكن الإغاثي (RHU) بالارتفاع الكافي الذي يسمح لها بأداء صلاتها وقوفاً.
والعقيدة والصلاة تمثِّل جانباً لا غنى عنه في الحياة اليومية لزكريا الشيخ أيضاً. يعيش زكريا اليوم في مخيم مرام نفسه، في شمال غرب سوريا، لكنه كان مقيماً في قرية “تل دبس” التي تقع شرقي مدينة “معرة النعمان” قبل أن يُضطر إلى الفرار طلباً للأمان. والآن وهو يعيش في وحدة مسكنٍ إغاثي (RHU)، عبَّر زكريا عن امتنانه لأن المأوى يتيحُ له أداء صلواته وتلاوة القرآن بكل راحة وخصوصية
الإيمان نعمةٌ من الله، وهو أهم شيءٍ في حياة الإنسان لأنه السبيل إلى دخول جنة الخلد
زكريا الشيخ
إنه تطورٌ كبير عن الخيام التي كان زكريا يعيش فيها قبل الانتقال إلى مخيم مرام، كما أصبح بوسعه القيام بالوضوء، وهو طقسٌ إسلامي يتم فيه تنظيف أجزاء معينة من الجسم، مع توفر النظافة الصحية ومياه الشرب النظيفة. ولا شك في أن وحدة المسكن الإغاثي الخاصة بزكريا هي أكثر شبهاً بالمنزل، أو بالبيت الذي اضطر إلى مغادرته، حيث تتوزع على جدرانه زيناتٌ مثل سجاداتٍ مزخرفة بصور المدينة المنورة، لتذكيره بعقيدته الراسخة.
كما أن الخصوصية التي يوفرها المأوى مهمة جداً للحفاظ على ممارسة العبادات الدينية خلال فصل الشتاء الذي يزداد برودةً عاماً بعد عام. وقد قام مخيم مرام بتركيب أجهزة تدفئة في الكثير من وحدات المسكن الإغاثي (RHU)، لضمان الدفء خلال الشهور الأشد برودةً. لكن بالنسبة إلى زكريا، فإن وجود أبسط الأشياء، مثل مصباح يعمل بالطاقة الشمسية، يساعده في قراءة القرآن حين يصبح ضوء الشمس شحيحاً في الشتاء
يساعدنا هذا المأوى أيضاً في قراءة القرآن، لأنه مزودٌ ببعض الإنارة
زكريا الشيخ
يمثل تمتين الترابط الاجتماعي جزءاً جوهرياً من أي ديانة أو عقيدة، أي أن نعتني ببعضنا البعض، ونتشارك في النِّعم والأعياد. وبالنسبة إلى كلٍّ من سماح وزكريا، فإن الأعياد لا تأتي مرة أو مرتين في السنة فقط، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، بل إن كل صلاة جمعة هي بمثابة العيد، ففيها يجتمع كلٌّ من سماح وزكريا بعائلاتهم لقضاء النزهات والمشاوير والضحك معاً، وعيش ذكريات جديدة تبقى معهم وهم يتطلعون بأملٍ إلى حياة قادمة تخلو من النزوح
العطل المفضلة لدي هي عطلات مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، كما أننا نجتمع مع العائلة في أيام الجمعة ونرى وجوههم مشرقةً بالضحكات
ى سماح السلوم،